شيع العرب همام بن يوسف أحمد
شيخ العرب الأميرهمام بن يوسف بن احمد بنمحمد بن همام ابن أبو صبيح سيبيه
ولد في (1709 م (1121 هـ)
وتوفي ( 7 ديسمبر 1769 م - ثامن شعبان من سنة 1183 هـ )
الجناب الأجل والكهف الأظل، الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكي ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراءشيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سيبيه ... عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد"
بهذه الكلمات رثى الجبرتى واحدة من تلك الشخصيات الفذة التي تتابع ظهورها في فترة آلام المخاض التي سبقت ولادة عصر اﻹستقلال الجديد لأمة بلغت من العمر عتيا وبدأت في التململ من حكم العثمانيين.
ونــــــبـــــــدأ على بركة الله
شيخ العرب الأمير همام .. بكر الأبناء الذكور للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة ... تلك القبائل التي هاجرت إلى مصر من المغرب في عهد الدولة .. الفاطمية واستقرت في صعيد مصر وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور في الصعيد حتى عام 1575 م (893 هـ). وكان مولد رجلنا، الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة، في فرشوط محافظة قنا سنة 1709 م (1121 هـ) .
وفي الشمال .. في القاهرة .. وبينما كان على بيك الكبير يسعى إلى مشيخة البلاد ويتطلع إلى الإستقلال بها، كان الشيخ همام يعمل على مد سلطانه على ولاية جرجا التي كانت تضم كافة أقاليم الصعيد من المنيا إلى الشلال. ولم تبارح مخيلة على بيك، في سعيه للخلوص بمصر من إمبراطورية بنى عثمان أطياف أسلافه العظام من سلاطين المماليك والتي مازالت أعمالهم تنتصب شامخة في قلب القاهرة .. والتي مازالت صور مواكبهم وأصوات احتفالاتهم قائمة لا تبرح ذاكرة المصريين. وهكذا كانت أيضا ذكرى ثورة الهوارة بزعامة الأمير حصن الدين بن ثعلب (1253 م /651 هـ)، والتي انتهت باستقلال الصعيد، حية في نفوس الهوارة ومستقرة في وجدان شيخهم همام.
وينجح على بيك الكبير في مسعاه، فلا تهل سنة 1760 م حتى يصبح "عزتلو أمير اللواء على بك" كبيرا للمماليك ويتولى منصب شيخ البلد. ويمضى بعدها في تثبيت مركزه بالتخلص من منافسيه من كبار المماليك من أمثال عبد الرحمن كتخدا وحسين بك كشكش وصالح بك شاهين. وأخذ في تعزيز قوته العسكرية حتى بلغ عدد مماليكه الستة آلاف. ومضى في تكوين التحالفات ونسج المؤامرات للقضاء على كافة القوى المنافسه له. وينتهي على بك من كبار المماليك الذين ينازعونه سلطانه في معركة حاسمة دارت رحاها شمال بنى سويف في سنة 1767 م / 1181 هـ، ليدخل بعد ذلك القاهرة وقد ثبتت أقدامه في "إمارة مصر ورياستها.. وظهر بعد ذلك الظهور التام، وملك الديارالمصرية، والأقطار الحجازية، والبلاد الشامية، وقتل المتمردين وقطع المعاندين، وشتت شمل المنافقين، وخرق القواعد، وخرم العوائد"
وينجح الشيخ همام هو الآخر في مساعيه ، فلا تحل سنة 1767 م / 1181 هـ حتى تصبح كافة أقاليم الصعيد، من المنيا إلى أسوان، تحت سيطرته.
ويمضى الرجل قدما في تأسيس شبه دولة. فينشئ الدواوين لإدارة شئون الأراضي الواقعة تحت سيطرته ولرعاية العاملين فيها، ويشكل قوة عسكرية من الهوارة ومن المماليك الفارين إلى الصعيد فـ "كان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا إليه وانتسبوا إليه وهم عدة وافرة وتزاوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم". وتشيع أخبار مجالسه التي كان يعقدها لسماع شكاوى الأهالي ولحل مشاكلهم ... يستوى في ذلك الجميع، الغنى منهم والفقير، لا يستنكف من محادثة أجلافهم فكان "إذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا في قطنة وماء وردا فاذا إقترب منه بعض الأجلاف وتحادثوا معه وإنصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حذرا من رائحتهم وصنانهم .وقد أدى النظام الذي وضعه الشيخ همام للأمن والعناية التي كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلى ازدهار الزراعة وتحقيق الرخاء للأهالي.
أنـه لمـا ذهـب محمـد بـك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك ورجـع محمـد بـك إلـى مصـر أرسـل علـي بـك يقـول له: إني أمضيت ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدًا بدائرتك.فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم: اذهبوا إلى أسيـوط واملكوهـا قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا أمدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى أسيوط فملكوا أسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك
وهكذا كان الصدام بين الرجلين محتوما، فيحشد له على بك الكبير ثلاثة جيوش ويجمع قوادها ويوصيهم قائلا: "اذهبوا إلى أسيوط واملكوها. وتدور المعركة الفاصلة في يونيو 1769 م (1183 هـ) عند جبانة أسيوط لتسفر عن انتصار ساحق لجيوش على بك الكبير. وبعدها "أقاموا بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلي بقصد محاربة همام والهوارة واجتمع كبار الهوارة مع من انضم إليهم من الأمراء المنهزمين .. فراسل محمد بك ... محمد بك أبو الدهب مملوك على بك الكبير - ليراسل إسماعيل أبوعبد الله ابن عم همام واستمالته ومناه برياسة البلاد حتى ركن إلى قوله وصدق تهويماته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب إلى جهـة إسنا فمات في ) ثامن شعبان من سنة 1183 هـ - 7 ديسمبر 1769 م) ودفن في بلدة تسمى "قمولة"(1) فقضى عليه بها رحمه الله. مكمودا مقهورا. ووصل محمد بك ومن معه فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوها واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربه وأتباعه من ذخائر وأموال وغلال وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كأنها لم تكن
وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم.
ولما مات انكسرت نفوس الأمراء ثم إن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشًا لكونه اكبر إخوته وأشاروا عليه بمقابلـة محمـد بـك ففعـل.
وأما الأمراء فمنهـم مـن اخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية درنة ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد.
وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك وأعطاه بلاد فرشوط ورجـع مكرمـًا إلى بلاده.
فلـم يحسـن السيـر ولـم يفلح وأول ما بدا في أحكامه انه صار يقبض على خدم أبيه وأتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم وقبض علـى رجـل يسمـى زعيتـر وكيـل البصـل المرتب لمطابخ أبيه فاخذ منه أموالا عظيمة في عدة أيام
ووصلـت أخباره بذلـك إلى علـي بـك فعيـن عليـه احمـد كتخـدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالأموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته واخذ منه جملة وكذلك أتباعه من بعـده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لأجل استخـراج الخبايـا حتـى هدمـوا الـدور والمجالـس ونبشوهـا واخربوهـا وحضر درويش المذكـور باخـرة إلى مصـر جاليـًا عـن وطنـه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس.
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا.
فأما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 هـ أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعى محمدًا.
وأما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبًا من ذلك التاريخ وترك ولدًا يدعى همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من الأسفار.
ولكن ذكرى شيخ العرب همام بقيت وحفظتها ذاكرة أهل الصعيد وبثوها في كلمات موال حزين يغنونه كلما هيجت مرارة الواقع شوقهم إلى عدل همام ويبدأ الموال مناشدا إياه:
قوم ياهمام وإسعى وروح سنار
وإزرع وقوت عيالك
فرشوط قادت عليك نار
والبيه عدى وجالك
وكأنهم في مناشدتهم إياه الذهاب إلى سنار -جنوب الخرطوم بالسودان- يسترجعون ذكريات ماض بعيد .. ذكريات لجوء كهنة آمون منذ أكثر من ألفي وخمسمائة سنة إلى السودان ليضعوا الأساس للدولة نبتا والتي سيكون لملكها بعنخى فضل إنقاذ مصر من صراعاتها الداخلية وتأسيس الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين (751- 656 ق. م). وتمضى كلمات الموال تتحسر على تدمير "البيت الكبير" ..قصر الأمير همام في فرشوط:
هياك ياباب هياك
بس ضبتك غيروها
تسعين أوضة وشباك
في تلا يلك كسروها
وتنتهي على أرض الواقع قصة شيخ العرب همام .. تنتهي لتصبح حدثا تضرب به الأمثال .. وتجربة موحية .. ملهمة لمن سيأتي بعدها وينظر متأملا في وقائع التاريخ. فها هو ذا أبو التنوير رفاعة رافع الطهطاوي يشير إليها في كتابه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" (1834 م) قائلا: "ولكن لما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل في زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية إلتزامية" . وقبله يشير إليها في أحاديثه الجنرال يعقوب بن حنا. (3)
========
الـــمـــــراجـــع
1- قموله - قرية قديمه - اسمها القبطي ( Kamouli) - وهي أحدى قري مركز قوص - محافظة قنا
2- قراءة في وضوح البداهة - تأليف : د. السيد نصر الدين السيد (السيد نصر الدين السيد أستاذ إدارة المعرفة بجامعة كونكوريا بكندا،).
ومن مؤلفاته
- د. السيد نصر الدين السيد هو مؤلف الكتب التالية:
القومية المصرية، قراءة في وضوح البداهة، كتاب§ اليوم، القاهرة، 1991
إطلالات على الزمن الآتى، الهيئة العامة للكتاب،§ القاهرة، الطبعة الأولى، 1996، الطبعة ااثانية، 1998
الحقيقة الرمادية،§ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1999
كيف يفكر الحاسب، دار العين للنشر، 2006§
التنوير الغائب، ، دار العين للنشر، 2006§
وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجماعة تحوتى بالإسكندرية)
تقديم : د. نعمات أحمد فؤاد
الطبعة الثانية.
3- عجائب الآثار في التراجم والأخبار - عن طبعة بولاق - تأليف عبد الرحمن بن حسن الجبرتي - تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم - تقديم الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان - الجزء الأول - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة - سنة 1997 م - صـ (526 ,528. 538 , 539,540)
4- الصعيد في عهد شيخ العرب همام - د/ ليلى عبد اللطيف احمد
ولد في (1709 م (1121 هـ)
وتوفي ( 7 ديسمبر 1769 م - ثامن شعبان من سنة 1183 هـ )
الجناب الأجل والكهف الأظل، الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكي ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراءشيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سيبيه ... عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد"
بهذه الكلمات رثى الجبرتى واحدة من تلك الشخصيات الفذة التي تتابع ظهورها في فترة آلام المخاض التي سبقت ولادة عصر اﻹستقلال الجديد لأمة بلغت من العمر عتيا وبدأت في التململ من حكم العثمانيين.
ونــــــبـــــــدأ على بركة الله
شيخ العرب الأمير همام .. بكر الأبناء الذكور للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة ... تلك القبائل التي هاجرت إلى مصر من المغرب في عهد الدولة .. الفاطمية واستقرت في صعيد مصر وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور في الصعيد حتى عام 1575 م (893 هـ). وكان مولد رجلنا، الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة، في فرشوط محافظة قنا سنة 1709 م (1121 هـ) .
وفي الشمال .. في القاهرة .. وبينما كان على بيك الكبير يسعى إلى مشيخة البلاد ويتطلع إلى الإستقلال بها، كان الشيخ همام يعمل على مد سلطانه على ولاية جرجا التي كانت تضم كافة أقاليم الصعيد من المنيا إلى الشلال. ولم تبارح مخيلة على بيك، في سعيه للخلوص بمصر من إمبراطورية بنى عثمان أطياف أسلافه العظام من سلاطين المماليك والتي مازالت أعمالهم تنتصب شامخة في قلب القاهرة .. والتي مازالت صور مواكبهم وأصوات احتفالاتهم قائمة لا تبرح ذاكرة المصريين. وهكذا كانت أيضا ذكرى ثورة الهوارة بزعامة الأمير حصن الدين بن ثعلب (1253 م /651 هـ)، والتي انتهت باستقلال الصعيد، حية في نفوس الهوارة ومستقرة في وجدان شيخهم همام.
وينجح على بيك الكبير في مسعاه، فلا تهل سنة 1760 م حتى يصبح "عزتلو أمير اللواء على بك" كبيرا للمماليك ويتولى منصب شيخ البلد. ويمضى بعدها في تثبيت مركزه بالتخلص من منافسيه من كبار المماليك من أمثال عبد الرحمن كتخدا وحسين بك كشكش وصالح بك شاهين. وأخذ في تعزيز قوته العسكرية حتى بلغ عدد مماليكه الستة آلاف. ومضى في تكوين التحالفات ونسج المؤامرات للقضاء على كافة القوى المنافسه له. وينتهي على بك من كبار المماليك الذين ينازعونه سلطانه في معركة حاسمة دارت رحاها شمال بنى سويف في سنة 1767 م / 1181 هـ، ليدخل بعد ذلك القاهرة وقد ثبتت أقدامه في "إمارة مصر ورياستها.. وظهر بعد ذلك الظهور التام، وملك الديارالمصرية، والأقطار الحجازية، والبلاد الشامية، وقتل المتمردين وقطع المعاندين، وشتت شمل المنافقين، وخرق القواعد، وخرم العوائد"
وينجح الشيخ همام هو الآخر في مساعيه ، فلا تحل سنة 1767 م / 1181 هـ حتى تصبح كافة أقاليم الصعيد، من المنيا إلى أسوان، تحت سيطرته.
ويمضى الرجل قدما في تأسيس شبه دولة. فينشئ الدواوين لإدارة شئون الأراضي الواقعة تحت سيطرته ولرعاية العاملين فيها، ويشكل قوة عسكرية من الهوارة ومن المماليك الفارين إلى الصعيد فـ "كان عنده من الأجناد والقواسة وأكثرهم من بقايا القاسمية انضموا إليه وانتسبوا إليه وهم عدة وافرة وتزاوجوا وتوالدوا وتخلقوا بأخلاق تلك البلاد ولغاتهم". وتشيع أخبار مجالسه التي كان يعقدها لسماع شكاوى الأهالي ولحل مشاكلهم ... يستوى في ذلك الجميع، الغنى منهم والفقير، لا يستنكف من محادثة أجلافهم فكان "إذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا في قطنة وماء وردا فاذا إقترب منه بعض الأجلاف وتحادثوا معه وإنصرفوا مسح بتلك القطنة عينيه وشمها بأنفه حذرا من رائحتهم وصنانهم .وقد أدى النظام الذي وضعه الشيخ همام للأمن والعناية التي كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلى ازدهار الزراعة وتحقيق الرخاء للأهالي.
أنـه لمـا ذهـب محمـد بـك أبو الذهب إلى جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام وجرى بينهما الصلح على أن يكون لهمام من حدود برديس وتم الأمر على ذلك ورجـع محمـد بـك إلـى مصـر أرسـل علـي بـك يقـول له: إني أمضيت ذلك بشرط أن تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم أحدًا بدائرتك.فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم: اذهبوا إلى أسيـوط واملكوهـا قبل كل شيء فإن فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا أمدكم بعد ذلك بالمال والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا إلى أسيوط فملكوا أسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الأخبار بذلك إلى علي بك
وهكذا كان الصدام بين الرجلين محتوما، فيحشد له على بك الكبير ثلاثة جيوش ويجمع قوادها ويوصيهم قائلا: "اذهبوا إلى أسيوط واملكوها. وتدور المعركة الفاصلة في يونيو 1769 م (1183 هـ) عند جبانة أسيوط لتسفر عن انتصار ساحق لجيوش على بك الكبير. وبعدها "أقاموا بأسيوط أياما ثم ارتحلوا إلى قبلي بقصد محاربة همام والهوارة واجتمع كبار الهوارة مع من انضم إليهم من الأمراء المنهزمين .. فراسل محمد بك ... محمد بك أبو الدهب مملوك على بك الكبير - ليراسل إسماعيل أبوعبد الله ابن عم همام واستمالته ومناه برياسة البلاد حتى ركن إلى قوله وصدق تهويماته وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من فرشوط وتركها بما فيها من الخيرات وذهب إلى جهـة إسنا فمات في ) ثامن شعبان من سنة 1183 هـ - 7 ديسمبر 1769 م) ودفن في بلدة تسمى "قمولة"(1) فقضى عليه بها رحمه الله. مكمودا مقهورا. ووصل محمد بك ومن معه فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوها واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربه وأتباعه من ذخائر وأموال وغلال وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كأنها لم تكن
وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد الكريم.
ولما مات انكسرت نفوس الأمراء ثم إن أكابر الهوارة قدموا ابنه درويشًا لكونه اكبر إخوته وأشاروا عليه بمقابلـة محمـد بـك ففعـل.
وأما الأمراء فمنهـم مـن اخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم إليه ومنهم من ذهب إلى ناحية درنة ونزل البحر وسافر إلى الشام والروم ومنهم من انزوى إلى الهوارة بالصعيد.
وحضر درويش صحبة محمد بك إلى مصر وقابل علي بك وأعطاه بلاد فرشوط ورجـع مكرمـًا إلى بلاده.
فلـم يحسـن السيـر ولـم يفلح وأول ما بدا في أحكامه انه صار يقبض على خدم أبيه وأتباعه ويعاقبهم ويسلب أموالهم وقبض علـى رجـل يسمـى زعيتـر وكيـل البصـل المرتب لمطابخ أبيه فاخذ منه أموالا عظيمة في عدة أيام
ووصلـت أخباره بذلـك إلى علـي بـك فعيـن عليـه احمـد كتخـدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك وطالبه بالأموال حتى قبض منه مقادير عظيمة ورجع بها إلى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام إمارته واخذ منه جملة وكذلك أتباعه من بعـده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لأجل استخـراج الخبايـا حتـى هدمـوا الـدور والمجالـس ونبشوهـا واخربوهـا وحضر درويش المذكـور باخـرة إلى مصـر جاليـًا عـن وطنـه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس.
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة المزارعين ويتعيشون حتى ماتا.
فأما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 هـ أيام الفرنسيس لأمور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعى محمدًا.
وأما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبًا من ذلك التاريخ وترك ولدًا يدعى همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من الأسفار.
ولكن ذكرى شيخ العرب همام بقيت وحفظتها ذاكرة أهل الصعيد وبثوها في كلمات موال حزين يغنونه كلما هيجت مرارة الواقع شوقهم إلى عدل همام ويبدأ الموال مناشدا إياه:
قوم ياهمام وإسعى وروح سنار
وإزرع وقوت عيالك
فرشوط قادت عليك نار
والبيه عدى وجالك
وكأنهم في مناشدتهم إياه الذهاب إلى سنار -جنوب الخرطوم بالسودان- يسترجعون ذكريات ماض بعيد .. ذكريات لجوء كهنة آمون منذ أكثر من ألفي وخمسمائة سنة إلى السودان ليضعوا الأساس للدولة نبتا والتي سيكون لملكها بعنخى فضل إنقاذ مصر من صراعاتها الداخلية وتأسيس الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين (751- 656 ق. م). وتمضى كلمات الموال تتحسر على تدمير "البيت الكبير" ..قصر الأمير همام في فرشوط:
هياك ياباب هياك
بس ضبتك غيروها
تسعين أوضة وشباك
في تلا يلك كسروها
وتنتهي على أرض الواقع قصة شيخ العرب همام .. تنتهي لتصبح حدثا تضرب به الأمثال .. وتجربة موحية .. ملهمة لمن سيأتي بعدها وينظر متأملا في وقائع التاريخ. فها هو ذا أبو التنوير رفاعة رافع الطهطاوي يشير إليها في كتابه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" (1834 م) قائلا: "ولكن لما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل في زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية إلتزامية" . وقبله يشير إليها في أحاديثه الجنرال يعقوب بن حنا. (3)
========
الـــمـــــراجـــع
1- قموله - قرية قديمه - اسمها القبطي ( Kamouli) - وهي أحدى قري مركز قوص - محافظة قنا
2- قراءة في وضوح البداهة - تأليف : د. السيد نصر الدين السيد (السيد نصر الدين السيد أستاذ إدارة المعرفة بجامعة كونكوريا بكندا،).
ومن مؤلفاته
- د. السيد نصر الدين السيد هو مؤلف الكتب التالية:
القومية المصرية، قراءة في وضوح البداهة، كتاب§ اليوم، القاهرة، 1991
إطلالات على الزمن الآتى، الهيئة العامة للكتاب،§ القاهرة، الطبعة الأولى، 1996، الطبعة ااثانية، 1998
الحقيقة الرمادية،§ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1999
كيف يفكر الحاسب، دار العين للنشر، 2006§
التنوير الغائب، ، دار العين للنشر، 2006§
وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجماعة تحوتى بالإسكندرية)
تقديم : د. نعمات أحمد فؤاد
الطبعة الثانية.
3- عجائب الآثار في التراجم والأخبار - عن طبعة بولاق - تأليف عبد الرحمن بن حسن الجبرتي - تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم - تقديم الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان - الجزء الأول - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة - سنة 1997 م - صـ (526 ,528. 538 , 539,540)
4- الصعيد في عهد شيخ العرب همام - د/ ليلى عبد اللطيف احمد
شيخ العرب همام
ونزل الهوارة إلى الصعيد حيث أقام " إسماعيل مازن " ناحية جرجا وأصبح الهوارة من كبار ملاك الأراضي وتمتعوا بثراء طائل وأوقفوا على أبنائهم أوقافاً هائلة كان من أبرزها ما فعله الأمير " همام سيبك " جد الهمامية والذي أوقف ذريته مساحه قدرها 242 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية امتدت من سواقي موسى بالجيزة حتى مراكز قنا ، وكان يحكم الصعيد كله من فرشوط التي كانت عاصمة مصر العليا
أنظر أنه الشرف العسكري الذي حظيت به القبائل العربية التي حاربت الحكام المماليك في مصروكونت اكبر وأول كونفيدرالية عربية في التاريخ المصري علي الإطلاق وكان حاكمها الشيخ همام شيخ العرب شيخ العرب وليس البربر وهو حاكم 67 قبيلة عربية حاربت المماليك والعثمانيون كما تري الآن نحن نتحدث عن تاريخ قبيلة أسست الحكم الذاتي في مصر من السد العالي حاليا إلى آخر محافظة سوهاج لمدة كبيرة غير أن وفاة الشيخ همام أودت بالحكم إلى الأبناء الذين ضعفوا وخارت قواهم وتركوا الأمر للمماليك
إن الشيخ همام هو الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي
ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان منها أنه إذا نزل بساحته الوفـود والضيفان تلاقهـم الخـدم وأنزلوهـم فـي أماكـن معـدة لأمثالهـم وأحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغيـر ذلـك ثـم مرتـب الأطعمـة فـي الغـداء والعشـاء والفطـور فـي الصبـاح والمربيـات والحلـوى مـدى إقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف.
قال الشاعر خالد الهواري البلبوشي
نحن الكرم والجود رأسه وملتقي أنواره
أولي الشهامة والنها من لدنا فردت أخباره
لعمري أن تاه العباد عن الفصيح بيانه
قلنا لهم هاكموا فاقتفوا آثاره
سل السيف الجسور عن
الحروب وايكها لقبيلتي المغوارة
قد كنا بيارق للهدي بمحلتي
واليوم نلبس للهدي مأذاره
لنا الصمت الجليل علامة
إذا تكلمت كل قبيلة ثرثارة
قد رضينا بمصر بيتا لنا
نحمي الحما نسبر بالقنا أغواره
فتبسمت لما رأت أنا عزمنا بالبنا
في أرضها بكل قوة وجدارة
قد بنينا حتى أننا تركنا
بوجه مصر ملاحة ونضار
كل المناقي في القبائل أنما
قطر من سيل هوارة
أنظر أنه الشرف العسكري الذي حظيت به القبائل العربية التي حاربت الحكام المماليك في مصروكونت اكبر وأول كونفيدرالية عربية في التاريخ المصري علي الإطلاق وكان حاكمها الشيخ همام شيخ العرب شيخ العرب وليس البربر وهو حاكم 67 قبيلة عربية حاربت المماليك والعثمانيون كما تري الآن نحن نتحدث عن تاريخ قبيلة أسست الحكم الذاتي في مصر من السد العالي حاليا إلى آخر محافظة سوهاج لمدة كبيرة غير أن وفاة الشيخ همام أودت بالحكم إلى الأبناء الذين ضعفوا وخارت قواهم وتركوا الأمر للمماليك
إن الشيخ همام هو الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيلي الملكي
ملجأ الفقراء والأمراء ومحط رحال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيه بن سيبيه الهواري عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار وتلقى عنده عصى التسيار وأخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان منها أنه إذا نزل بساحته الوفـود والضيفان تلاقهـم الخـدم وأنزلوهـم فـي أماكـن معـدة لأمثالهـم وأحضروا لهم الاحتياجات واللوازم من السكر وشمع العسل والأواني وغيـر ذلـك ثـم مرتـب الأطعمـة فـي الغـداء والعشـاء والفطـور فـي الصبـاح والمربيـات والحلـوى مـدى إقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف.
قال الشاعر خالد الهواري البلبوشي
نحن الكرم والجود رأسه وملتقي أنواره
أولي الشهامة والنها من لدنا فردت أخباره
لعمري أن تاه العباد عن الفصيح بيانه
قلنا لهم هاكموا فاقتفوا آثاره
سل السيف الجسور عن
الحروب وايكها لقبيلتي المغوارة
قد كنا بيارق للهدي بمحلتي
واليوم نلبس للهدي مأذاره
لنا الصمت الجليل علامة
إذا تكلمت كل قبيلة ثرثارة
قد رضينا بمصر بيتا لنا
نحمي الحما نسبر بالقنا أغواره
فتبسمت لما رأت أنا عزمنا بالبنا
في أرضها بكل قوة وجدارة
قد بنينا حتى أننا تركنا
بوجه مصر ملاحة ونضار
كل المناقي في القبائل أنما
قطر من سيل هوارة